لعنة الممرات المائية
يمنات
لطف الصراري
في السابع عشر من يناير الجاري، وقف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في دافوس، بقدمين واثقتين و وجه مبتسم. كان يلقي خطابه في الجلسة الإفتتاحية لمنتدى الإقتصاد العالمي، مركزاً الحديث على مبادرة “الحزام والطريق”، وما حققته الإستثمارات الصينية في البلدان الواقعة على طول طرق المبادرة خلال ثلاث سنوات من إعلانها؛ حيث بلغت عائدات هذه الإستثمارات 50 مليار دولار، علاوة على توفير فرص عمل لآلاف المواطنين في الدول الواقعة على خط المبادرة.
في العام 2013، أعلنت الصين هذه المبادرة، بهدف “بناء شبكة تجارة وبنية أساسية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا”، و كما قال بينغ، فإن “أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية رحبت بالمبادرة”، بينما “وقعت أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية اتفاقيات تعاون مع الصين”.
لا تتكتم الصين بشأن سعيها لإحياء مجد طريق الحرير، الذي كان امتداده البحري يصل إلى سواحل اليمن والخليج العربي. وخلال العام الماضي، زار الرئيس الصيني عدة دول واقعة ضمن شبكة طريق الحرير، أهمها الهند، نيبال، كمبوديا، بنجلادش، مدغشقر، مصر، السعودية، إيران…
و هي زيارات مرتبطة بتعزيز الحضور الصيني، لاسيما في دول جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط. ولعل الإهتمام الأمريكي والأوروبي المتزايد باتجاه الطرق البحرية المارة عبر آسيا، ومنها بحر الصين، هو ما شحذ الهمة الصينية للخروج من منطق سياسة النأي بالنفس إزاء النزاعات المسلحة، في الشرق الأوسط على وجه الخصوص. وقد اقتضى هذا الخروج، تكثيف سياسة التوسع التجاري والاستثماري في مناطق سيطرة الولايات المتحدة، بالتوازي مع نشاط سياسي يتضمن دعوات متكررة لإحلال السلام في مناطق الصراع، ومبادرات للتوسط بين السعودية وإيران.
تستقطب النزاعات المسلحة الدائرة في المنطقة العربية المزيد من اللاعبين والمتنافسين الدوليين، بينما يلعب التاريخ دوراً محفزاً لشهوة السيطرة على ممرات التجارة القديمة، وإخضاعها لاستخدامات تفرضها روح العصر التكنولوجي والنووي، وانهيار المفاهيم والقيم.
بالنسبة لبحار العرب، فقد احتكر أهلها، على مدى قرون، دور الوسطاء التجاريين بين بلدان القارات الثلاث، اعتماداً على موقعهم ضمن شبكة طرق التجارة العالمية. لكن هذا الإحتكار طالما جلب عليهم غارات الفرس واليونان والرومان… وصولاً إلى القرن الواحد والعشرين.
ليست الحروب التي تشهدها اليمن وسوريا والعراق اليوم منفصلة عن دورات الصراع العالمي عبر التاريخ على الممرات المائية للسفن التجارية، والتنافس الشديد على تدوير عجلة الثروة والنفوذ باتجاه من يمتلك القوة والسلعة.
إنها لعنة البحار التي جلبتها سفن البضائع إلى السواحل الآمنة. اللعنة التي أصابت أوديسيوس عشر سنوات قبل أن يهتدي لطريق العودة من طروادة، ولا بد أن ذات اللعنة أخذت بالتضخم عبر العصور، حتى أخذت شكل بارجات عملاقة وغواصات متربصة في قاع البحر.
حالياً لم يعد العرب يحتكرون دور الوسيط التجاري بين ثلاث قارات، بقدر ما يحتكرون التبلد أمام اللعنات المتكاثرة في بحارهم.
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا